١ - كبسولة نقدي ليه بمزج بين الفصحى والعامية فى كتابة الرواية؟
انا مش متعود ارد على حاجة بخصوص ما اكتب..خاصا لو كانت رواية..وبخصوص ما اكتب بالمناسبة.. عمرى ما عملت دعاية لشغلى او طلبت من حد يكتب عنى والحاجات دى.. بحب شغلى يتكلم عنى وحتى لو بتكلم بخصوص روايات وترشيحات..مبرشحش شغلى ابدا لحد..بس دى مقدمة كانت لابد منها وحسيت ان الوقت قد حان انى اتكلم بخصوص (الشكل الروائى) اللى بكتبه..وهرجع واقول.. انا دخلت فى الكتابة الاحترافية من 10 سنين و من قبلها كتبت محاولات كتيرة.. ولى من الرصيد 3 روايات وهعتبر نفسى فى (مرحلة ابتدائي كتابة) وكلامى على ما انتهج هو حصيلة قناعة شخصية انتهجتها صدفة اثناء الكتابة او بمعنى اوضح قناعة احتاجها (الشكل السردى) للمفروض اقنع به القارىء من بداية القراءة.. انه يقرأ ليصدق ما اسرد ويتوهم احيانا انها (سيرة ذاتية) لى.. وطبعا دى نقطة مردود عليها ومطلوبة للشرح بس مش مجالنا هنا دلوقت يمكن افسرها فى بوست تانى.. نرجع لمحور كلامنا وهى القناعة فى ما امتهن من (شكل سردى) خليط بين العامية والفصحى.. واحتاج بس انى افصص النقطة دى براحة كده.. وارجو من القارىء يستحملنى شوية..
(معركة الفصحى والعامية)
بدأت مع ظهور استخدام بعض الكلمات العامية فى المتن الروائى وخاصا فى الحوار او ما يسمى (الديالوج) بين الشخصيات..المعركة القديمة كانت بين طه حسين وتوفيق الحكيم.. الاول يكتب الديالوج بالفصحى والثانى يكتبه بالعامية.. لما اتسال الحكيم ليه بيعمل كده..قال انه بيستريح ويحس بالواقعية اكتر من الفصحى بس ده لا يمنع انه كتبه بالفصحى من قبل فى بعض المسرحيات.. المدرستين دول اعطوا الحق لمن يتبع اى الاختيارين بس لازم ناخد بالنا من حاجة مهمة وهو (اتفاق الاتنين على شكل سردى واحد وهو ما يسمى الراوى العالم المركزى او بمعنى اوضح السرد بضمير الضمير الغائب) هبسط كلامى اكتر معلش.. يعنى لما تعوز تحكى قصة مثلا تقول:
وكانت نشوى تحب أحمد حد العشق والهيام.
الشكل السردى هو المتن الاساسى للرواية من بداية ما حضرتك تفتح اول صفحة من الكتاب وتقرا..هو ده الشكل السردى..
نرجع لكلامنا.. طبعا عمنا نجيب محفوظ قدر يخرج من المعضلة دى بالمزج بينهما ولكن وخد بالك اوى(فى اطار الديالوج فقط)
كل ما حدث من معارك قديمة زى ما اختصرت كده كان فى (اطار الديالوج فقط) وبعيدا عن (الشكل السردى)
وليه بعيد عن الشكل السردى؟
لانه ببساطة كان اطار واحد فقط وشكل واحد فقط (الراوى العليم) فطبيعى الحكى كان بلسان الراوى(اللى هو بالضرورة الكاتب) فكان الكاتب بالضرورة ايضا يستعرض عضلاته اللغوية من محسنات بديعية وسجع وكناية وتشبيهات..ليثبت للقارىء وبالضرورة ايضا انه ذو حصيلة لغوية بتنعكس مع شعور القارىء (ودى نقطة مهمة جدا) انه من يسرد حقيقا.. هو الكاتب نفسه..
كل الشرح ده كان لازم منه عشان اوصل للمعركة الحالية او المعاصرة او ما تسمى مجازا (معركة ما بعد الحداثة) وهى ( الشكل السردى او الروائى باللغة العامية/ او خليط بين العامية والفصحى)
واسمحوا لى بس بالشرح..عشان اوصل لنقطة بعد نقطة..
هتسال نفسك.. من الذى ادخل العامية فى فضاء السرد؟ ولماذا ندخله؟وهل نحتاجه؟ وهل هو بديلا عن الفصحى فى المتن النصى؟
كل دى اسئلة مشروعة ومطلوبة ولكن قبل الاجابة..ممكن نلاحظ مثلا فى مدرسة شعر الفصحى كاساس كان لا يعترف بشاعر العامية..لانه يعتقد انه ليس بشعر..لانه لا يعترف بالقواعد المتبعة فى كتابة الشعر.. سنين طويلة لم يعترف بصلاح جاهين بانه شاعر ولحد وقت قريب حتى فى الموسسات الرسمية.. بس ده مش مجال حديثنا ايضا ممكن نتكلم عنه فى بوست تانى..
المهم انتشر شعر العامية وعلى التناص كان فى مدرسة (السيرة الذاتية) فى الرواية بالاضافة الى ظهور مدرسة (تيار الوعى) او الحداثة وما بعدها فى (استخدام ضمير المتكلم) فى المتن السردى..يعنى تقصد ايه؟
ما هو تيار الوعى فى السرد الروائى؟
اصبح بالضرورة استخدام ضمير المتكلم فى السرد واللى اسس التعبير وبشكل مريح للكاتب واكثر تاثيرا على القارىء لانه اثناء القراءة بيشعر القارىء انه من يتحدث ومن ينفعل مع من يتكلم( البطل فى السرد) وبتوهمه وهما حقيقى بانه سيرة ذاتية للكاتب..والوهم ده بينبع من فرضية استخدام الضمير المتكلم فى الحكى اجبارا فى وعى القارىء وعلى لسان الكاتب او السارد فطبيعى وهو بيحكى يقول كمثال :
اشعر بالحب اتجاه نشوى واعشقها حد الموت.
هو اذا بيتكلم بلسانه الشخصى(ضمير المتكلم) فى السيرة الذاتية ومنه لقطت فكرة تعميم هذا الاستخدام التقنى فى السرد (على ايهام القارىء بانه سرد حقيقى) ودى خدعة زى خدعة الساحر تماما وهو بيوهمك انه بيحرق نفسه..وبيخرج لك من النار.. سليم وبدون حروق.. كلها ايحاءات للمتلقى وبالمناسبة خدعة مطلوبة للكاتب برغم خطورتها على حياته الشخصية .
نرجع لسوالنا الاساسى..لماذا دخلت العامية فى متن النص الروائى؟
والصورة التالية توضح المقارنة والتفريق بين اسلوبى الراوى العليم و تيار الوعى:
![]() |
| الصورة توضح الفرق بين الراوى العليم وتيار الوعى |
1- الشكل الاول ( يعتمد على سرد الراوى العليم)
ا- الفصحى.. سرد و ديالوج (طه حسين)
ب- الفصحى فى السرد.. والعامية فى الديالوج (توفيق الحكيم)
ج- الفصحى فى السرد .. والمزج بين الفصحى والعامية فى الديالوج (نجيب محفوظ)
2- الشكل الثانى (يعتمد على سرد تيار الوعى)
ا- الفصحى فى السرد.. والمزج بين فصحى وديالوج(نجيب محفوظ) رواية السراب تحديدا
ب- المزج بين الفصحى والعامية فى السرد والديالوج.
رواية سرور. طلال فيصل.
(وتلك المدرسة او الاسلوب هو ما اكتب به بالمناسبة وافضله) مدرسة تيار الوعى وهو اساس كتابة البوست من الاساس
ج- العامية فى السرد والديالوج وبدون الاستعانة بالفصحى.
رواية ربع جرام.. عصام يوسف(وانا ضد مبدأ الكتابة بالعامية فقط)
انتقل الى اهم نقطة فى حديثنا
ولماذا افضل هذا المزج بين الفصحى والعامية فى السرد والديالوج معا فى اسلوب تيار الوعى؟
واساس الهجوم على طريقتى فى الكتابة او على الطريقة بصورة عامة نبعه الخلط بين مدرسة الراوى العالم ومدرسة الراوى المتكلم(تيار الوعى).. وكما شرحت وفصصت
شتان بين اسلوب الراوى العليم واسلوب الراوى المتكلم
نبع الخلط او تشتت القارىء فى التفريق بينهما عدم دراية نقدية طبعا او خبرته روايات كلاسيكية وبعض المعاصر المقلد للكلاسيكى.
اول ما يتصدم باسلوب جديد او سرد جديد..يخرج عليك ويهاجمك بدون دراية معتمدا على محصول الكلاسيك.
اعود الى محور حديثى وهو
لماذا افضل المزج بين الفصحى والعامية فى اسلوب الراوى المتكلم(تيار الوعى)؟
ساتكلم عن نفسى..وااسف لذلك مرة اخرى..وارجو ان يسع قلب القارىء لى
فى اسلوب الراوى المتكلم(الاكثر حداثة وتطورا من اساليب قديمة) تجد الشخصية تتحدث عن نفسها بحرية وسلاسة وتداعى الافكار يأتى بمقدار ما تتمتع به الشخصية الساردة (محل الحكى) من خبرة.. يعنى مثلا لو افترضنا ان السارد او المتكلم فى الرواية هو (سباك) ..كما نقول بالعامية صنعيعى.. كيف يعبر عن نفسه فى فضاء السرد؟ وما هى المصطلحات والكلمات المستخدمة فى عقله اللاواعى والتى يفكر بها لكى يقرائها القارىء ويستوعب ويقتنع بكونه فعلا ..سباك حقيقى؟
هل من العقل ادراج كلمات فصحى فى النص.. عميقة وبدون ادراج لبعض الكلمات العامية؟
هنا تأتى خبرة الكاتب ودرايته بالشخصية وتفاصيلها لكى يتقمص دور السباك ويتحدث بلسانه.. ليس فقط فى الديالوج ولكن فى (تيار الوعى) الخاص به
واجهتنى تلك المشكلة فى احدى الروايات واظنها تواجه كل مشتغل وكاتب اختار استخدام تيار الوعى فى الكتابة..كيف اعبر بكلمات من تيار لاوعيه الى الخارج..اخرجها فى لغة تبدو مرسومة عليه وساورد مثال من كتابى وارجو ان يسمح لى القارىء بذلك..للتوضيح ليس اكثر .. من رواية كما يفعل القتلة..
السياق حوار بين البطل(اسمه عادل/مهنته نجار/مأهله الدراسى الاعدادية) وعمته :
جلسنا نتحدث والساعات تمضى من العصر الى المغرب الى اذان العشاء. هو شكله كده مش جى؟ مش عارفة يا عادل .. يمكن حصلت له ظروف. هو عالطول مختفى كده ويظهر زى الظل ويختفى بعدها. طيب هقوم احضر لك الاكل. لا يا عمتى .. انا قايم امشى. استنى. هو مسبش نمرة تليفونه؟ لا يا ابنى برغم انه اخد رقمى عنده وسجله.. هو سابلك مبلغ كده استنى. قامت تتحرك الى حجرتها ولسان حالى يقول.وجوده زى عدمه .. كل اللى بستفيد منه شوية فلوس .. والوجود يتثبت بالمادة.
هنا ومن الوهلة الاولى..يظن القارىء انه سرد باللغة العامية او الخليط بين الفصحى والعامية.. فيقول لك لماذا تخلط هذا بذلك.. انا مش متعود على ده ولا على الطريقة دى؟
وجهة نظر وجيهة طبعا واحب الرد عليها فى نقط:
1- هنا استخدمت اسلوب تيار الوعى بصوت عادل فى الحكى والسرد فى القطعة السابقة من اول كلمة الى اخر كلمة.
2- لاحظ معى.. تقنية (الديالوج الضمنى) اى الديالوج بين الشخصيتين اثناء تيار السرد او الوعى المتداخل..
بدون استخدام علامة الشرطة فى بداية العبارة بين الشخصيتين وساعطى مثال مالوف يألفه البعض وهو هذا :
_ هو شكله كده مش جى؟
_ مش عارفة يا عادل.. يمكن حصل له ظروف.
_ هو عالطول كده ويظهر زى الظل ويختفى بعدها.
_ طيب احضر لك الاكل.
_ لا يا عمتى.. انا قايم امشى.
_ استنى.
_ هو مسبش نمرة تليفونه؟
_ لا يا ابنى برغم انه اخد رقمى عنده وسجله.. هو سابلك مبلغ كده استنى.
كل ما فعلت وهذا مسموح به فى اسلوب تيار الوعى(وليس من اختراعى) ان اضمن واخلط الديالوج مع السرد.
3- تيار الوعى او ضمير المتكلم (بصوت عادل) يبدأ من كلمة (جلسنا) الى كلمة (العشاء) ثم ينقطع مع تداخل (الديالوج) بين عادل وعمته.. ثم يعود من جديد مع بداية كلمة(قامت) الى نهاية القطعة..
من بداية عبارة: ( وجوده زى عدمه.. كل اللى بستفيد منه شوية فلوس..والوجود يتثبت بالمادة)
استخدمت العامية فى تيار وعى عادل.. لوعى منى انه يتحدث فى لاوعيه بتلك الصورة ..فتخرج كلماته فى داخله بتلك الصورة.
هنا كان الخلاف.. او عدم تقبل تلك الطريقة فى السرد وهو تضمنين بعض الكلمات العامية فى النص
اود لفت انتباه القارىء
التجريب من اهم القضايا والمسائل فى مشروع الكاتب..وواجب عليه الاجتهاد والتجريب والمحاولة.. واتمنى منك عزيزى القارىء ان يتسع صدرك للنقد والشرح والفهم.. لكى تزيد متعة قراتك للنص وتزيدها صعوبة على الكاتب لكى يجود مزيدا من الابداع وكلما تثقف القارىء زادت امكانية الجهد على الكاتب لمزيدا من الاجتهاد.
ساورد لينك لمقالة قصيرة مركزة عميقة تشرح اسلوب تيار الوعى ارجو ان يطلع عليها القارىء للاستمتاع والاستفادة

