رواية القناص ل بلايز مينيفسكى












رواية مؤثرة تأخذك الى عالمها بدون رجعة ومن المؤكد انك بمجرد ما تبدء معها الرحلة الممتعة.. لن تعود منها الا بعد الانتهاء من نهايتها.. في تلك الفترة كنت امر بظرفا عصيب من تعب.. فكانت بمثابة المفتاح الممهد للعودة الى القراءة.. كنت ادون بعض الاقتباسات الممتعة منها اثناء القراءة وفضلت وضعها هنا للتعبيرا عنها..

.........
لا تكتب إن لم تكن مضطرًا لذلك. أنت تكتب لأن عليك فعل ذلك، لا لأنك ترغب في ذلك. تذكر جيدًا أن الكتابة اعتمادًا على خيالك وتفكيرك وذكرياتك وأحلامك ومصائر معارفك، أمر انتهى منذ أكثر من مئة عام مثلا! عليك أن تضع غطاء خياليًا على أكثر الأمور واقعية، وتضيف جانبًا واقعيًا للأشياء الخيالية إلى أن يفشل القارىء في تمييز الحقائق من الأكاذيب، حتى الشاعر الإيطالي العظيم "دانتي" في "الكوميديا الإلهية"، اقتبس أجزاء عدّة من أفلاطون وسيسيرون وفيرجيل وتوما الأكويني، ولم يقلل ذلك من شأنه ولا من أهمية كتابه.
.........
 


_صحيح أنك كمؤلف تحتاج لتقديم برهان على كل ما تكتبه، ولكن من قال بأن أدلتك وبراهينك يجب أن تكون حقيقية؟ أي دليل خيالي، طالما أنه جيد ومنطقي، يمكن اعتباره دليلًا حقيقيًا. اكتبوا كما علّمتكم، وستخرج كتاباتكم في صورة مقنعة يصدّقها القارىء . الإقناع هو جوهر الفن والكيفية التي تصيغ بها حقائقك تحدد درجة إبداعك.
أضاف:
الحقيقية الخالصة نوع من الفانتازيا والعكس صحيح. سجلوا هذا لتتذكروه. دوّنوا أيضًا، أن الرواية دون حقائق تكون ناقصة وغير مكتملة وأن الكتاب المليء بالحقائق لا يصنع رواية.
..........


ابتسم وأخرج الحجر الرمادي من مكانه تحت السرير، وقال:
حين نزعته من بوابة بيتنا، أدركت أن لكل حجر جانب سرى، ستري لا يمكن رؤيته بالعين المجردة، ولكن ماهو الجانب السري للحياة يا عزيزي؟
وللمرة الثانية، أعجز عن الإجابة.
جلس جدي على فراشه واضعًا يديه على ركبتيه، وقال:
ليس الموت ولا الروح، ولا الصوت.
أضاف بعد برهة:
الجانب السري للحياة هو آخر ذكرى تلازمك قبيل وفاتك مباشرة.

............
ودائمًا أبدًا، تذكّر أن المؤلف ليس فقط الشخص الذي يكتب، الأهم أن يكون الشخص الذي يحرص الناس على قراءة أعماله حتى تشعر بوجودك، يجب أن يقرأ الناس مؤلفاتك في هذه الدقيقة، بل في هذه الثانية، يا عزيزي "مستر كوكو"، هناك مليون شخص حول العالم يكتبون بحماس شديد أغلبهم رجال يشعرون بالكبت، ويحلمون بأن تحبهم جميع نساء الكوكب. لكن الحقيقة المؤسفة هي أن عشرة منهم فقط، أو حتى مئة على أقصى تقدير، هم الذين سيُقبل القرّاء على اقتناء كتبهم. الباقون يكتبون دون جدوى. دعني أصارحك بشيء، أنا مثلا لا أعرف أي كاتب من بلدك.
..........


على القناص أن يكون صبورًا وهادئًا ، ومدركًا لحقيقة أنه هو أيضًا يمتلك جسدًا، لا عدوّه فحسب. أن تكون بعيدًا عن العدو لا يعني أبدًا أنك بعيد عن الموت. كل جسد يحمل موته معه، كلنا لدينا أجساد حتى الربّ نفسه يمتلك جسدًا، لذلك فإنه أكثرنا معرفة بمسألة الموت. لولا الموت لما كان هناك مبرر للحرب.
.......


- كيف يمكن للربّ أن يخلق الإنسان لو لم يكن يعلم الهيئة التي ينبغي أن يكون عليها؟
في البدء لم يكن هناك سواه، ما يعني أنه لم يكن هناك سوى هيئته، فخلق الإنسان عليها.
...........

سوف أقص عليك حكايتي، واصنع منها قصة كيفما شئت. لكن عليك أن تتذكر، لا حياة تكفي وحدها، لخلق قصة تستحق الكتابة في الواقع يا صغيري.
الكاتب الحقيقي لا يحتاج لحكاية حقيقية. هل يحتاج الرجل الجائع لمعرفة تاريخ حياة الخبّاز؟ عليك ألا تكتفي بإعادة سرد الحكايات. عليك أولا وقبل كل شيء، أن تتعلم كيف تفرق بين المهم وغير المهم.
...........

أوماً برأسه تجاه المسجد. أسندت بندقيتي على فتحة البرج. وضعت عيني على المنظار. رأيتُ خيالا يتحرك داخل المنارة. أردت أن أقول شيئًا، لكن الكابتن عاجلني بركلة في مؤخرة حذائي، وسألني: أجبته وأنا أتابع الخيال الذي انعطف جانبا داخل المنارة:
- هل تعلم ما هي أكبر مشكلات الموت؟
- كلا. لا أعلم.
لن يخبرك أحد أنك ميت!
...........


لم يكن من المفترض أن تمطر اليوم، نشرة الأرصاد الجوية دقيقة جدا هنا، لكن يتم حاليا تصوير فيلم سينمائي بالقرب من سكن الطلبة، وفي الأفلام تهطل الأمطار أينما وكيفما ومتى أردت، لذا المطر الذي ترونه الآن اصطناعي، ايضا غير حقيقي، بل إن الفراشات الملتصقة على نوافذ المبنى هي غير حقيقية، بالطبع لا مشكلة لدى المشاهد مع الواقعية، لأنها تتولد لديه من خلال متابعته للعمل. وبناءً على ذلك، فإن هذا المطر نفسه يعدّ حقيقيًا بالنسبة لنا، لأننا لسنا مزارعين وإنما فنانون، لذا تلاميذي الأعزاء أكرر، نحن ليست لدينا مشكلة مع الواقعية.
............


بعد مرور ثلاثة أشهر، ولأنه لم يكن يملك ما يعينه على تربية الصغير، اضطر إلى عرضه للتبني. تبنته أسرة في قرية ما لا أعرفها. ومنذ ذلك الوقت، لم أسمع شيئًا يخص الصغير أو والده حين يحلّ الربيع، كل عام، أذهب للحقل وأنصت لحفيف أوراق الذرة من حولي.
أنا أؤمن بأن الأرواح تبقى بيننا، لأن الإله توقف منذ زمن بعيد عن خلق أرواحا جديدة، الحياة تتجدد فقط من أجل الإستعراض.
.........

رغم أن الفراشات تكونت بالصدفة، كما أظن إلا أنها تعمدت التواجد لتخبرنا شيئًا يا "دورنتينا". من يدري؟ ربما أنا الذي أرغب في الإيمان بمعجزة والمعجزات لا تحدث إن لم تؤمني بها. على أي حال، منذ ذلك الوقت وأنا أحرص على التحدث إلى كل فراشة، أراها مقتنعًا بأنها أرواح متناسخة. لا شيء أجمل ولا أهدأ من تلك المخلوقات الرقيقة.
أؤمن أيضًا بأن الروايات تمتلىء بها، فالمؤلفون لا يخلقون أجسادًا، بل أرواح. أرواح فقط. الشخصيات في الكتب ليست أجسادًا على الإطلاق يا "دورنتينا " ، بل أرواح فراشات من نوع ما، شيء جميل وهادئ كالأبدية.
..........
الرواية ليست واقعًا، والعكس صحيح. الواقع ليس رواية أدبية. القارئ لا يصدّق قصة لمجرد أنها مبنية على أحداث واقعية، وإنما يصدقها فقط حين تكون مقنعة. مستقبل الأدب الحديث يكمن في تحويل الثوابت الخيالية إلى حقائق واقعية؛ ولهذا فإن الأدب يرتبط بالتذكر والذكريات، وليس بالإلهام، ولهذا فإن كل ما يُنسى يفتقده الجميع.
.........


- نصيحتي لك هي؛ إن امتهنت الكتابة يومًا، وصرت كاتبًا بحق فلا تكتب إلا حين تواجه تحديًا عظيمًا؛ عقب خطر يتهددك مثلا .
اكتب حين يداهمك الإحساس بأن هذه العبارة أو تلك قد تكون الأخيرة في حياتك. اكتب كأنما ستموت بعد لحظة، كأنك لا تملك متسعًا من الوقت للشرح والتحليل والإسهاب
في الوصف.
أردفت:
- حين تكتب، تذكر دائما بأن....
سكتت لبرهة، وحرّكت رأسها، فضربت خصلة من شعرها الطويل الإطار السفلي للشباك، ثم قالت:
- هناك دائمًا من يتربص بك، ويوشك على القضاء عليك. إما أن تكتب كل ما لديك، وإلا فربما لن تواتيك الفرصة ثانية. عمل أدبي كهذا يستحق أن تعيش لأجله؛ بل وأن تموت لأجله أيضًا.
.........


- إذا أردت أن تكون كاتبًا، فتذكَّر دائمًا بأن القارئ قد يعجز عن فهمك، ولا يتوجب عليه ذلك في الأصل، لكنه مع ذلك يملك كل الحق في حرقك حيا إن لم يعجبه ما كتبته. لا يحتاج إلى إشعال النار بك. إنه هو نفسه النار، خلاصة الأمر أنك ستختفي بعدها، حتى ولو ظللت على قيد الحياة. أريدكم أن تعرفوا وأريد أن أعلمكم بأن العالم لا يتغير بسبب قصص خيالية، ولا حتى بالقصص الواقعية.
الكاتب الجيّد هو من يحوّل عمله إلى حقيقة حكاية حقيقية واحدة يمكن أن تنتج اثنتين خياليتين.
..........


لماذا يا "دورنتينا " ؟!
لا نحتاج عقلًا لكي تستمر الأرض في الدوران. ستدور بنا ومن غيرنا.
ها أنا أرسل قبلة باتجاهكِ يا "دورنتينا". ستدور هذه القبلة حولنا، ثم ستدور حول الشمس لقرون قادمة. ومع هذا، ها نحن نراقب بعضنا بعضًا، رغم إدراكنا أننا لسنا في نهاية الأمر سوى ذرات غبار، وأنه قد مرت بنا ملايين الأعوام منذ أن بدأنا في الدوران حول الشمس دون أي هدف.
.............



Next Post Previous Post
No Comment
Add Comment
comment url